logo


أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم في منتديات جنتنا | Janatna.com، لكي تتمكن من المشاركة ومشاهدة جميع أقسام المنتدى وكافة الميزات ، يجب عليك إنشاء حساب جديد بالتسجيل بالضغط هنا أو تسجيل الدخول اضغط هنا إذا كنت عضواً .


  1. منتديات جنتنا | Janatna.com
  2. الأقسام العامة General Sections
  3. القصص والروايات – قصص قصيرة – روايات رومانسية – أدب – خواطر | Stories & Novels
  4. رواية حب خاطئ الفصل العاشر



31-05-2021 04:11 صباحاً
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 31-05-2021
رقم العضوية : 5
المشاركات : 540
الجنس :
قوة السمعة : 16

%25D8%25AD%25D8%25A8%2B%25D8%25AE%25D8%25A7%25D8%25B7%25D8%25A6

- ‏أيّتها الغامضة كالمعاني في بطون الشعراء، العميقة كمُفردةٍ عربيّة، الصعبة مثل قصيدةٍ جاهلية، الجميلة كتشبيه، الذكيّة ككِناية، عفيفةٌ كغزل عنترة، واثقةٌ كفخر المتنبي، وحزينةٌ حزينةٌ، كرثاء الخنساء. - <a name=\'more\'></a>
ـ دستوُيفسكي.

أحيانا لا ندرك قدر الخطأ المُقبلين عليه من فرط الألم الذي نشعر به..
قذف القميص من يده، تقدم من السرير و زرقاوية تطلق وميضا جهنميا مُخيف، رفع كفها بين يده ببطء، قبل باطنه برقة وهو يغمض عيناه بنشوةٍ شبقة، جثم فوقها ودني يقبل صفحة وجهها بتريث وتأني بدون وعي، تحركت مهمهمة بعدم راحة واختناق بسبب الثقل الجاثم فوقها..

طالع نحرها بعينين زائغتين وچل ما يراه، عشق تبتسم وتشير له بالاقتراب ومجاورتها في الفراش بصورةٍ مهزوزة، ابتسم بثمالة ودني يقبلها بنهمٍ كفاكهةٍ مُحرمة..
تقلصت ملامحها بألم وهي تهز رأسها شعورا بلسعاتٍ حارقة ظنًا أنها عالقة داخل كابوسٍ أسود، لكنها فتحت عينيها بوجل لتجحظ وتصرخ بخوف وتبدأ في التلوي أسفله..
قبض على ساعديها بعُنف وقام بـ تثبيتهما فوق رأسها مقيدًا إياها بقوة كي لا تستطيع الهرب..

توسلته بوهن وجسدها ينتفض من الخوف: جاسم مالك في ايه؟ ابعد عني
لم يذعن ولم ينصاع بل ظل يُقبلها دون تردد أو تراجع فهي زوجته، ، بكَت بحرقة وهي تتوقف عن المقاومة فهذا سيحدث لا محالة، لا تملك تلك القوة كي تردعه..
نهنهة بكائها ايقظته لِحاله فحررها على الفور، لكن لم يبتعد، بل هوي على وجنتها بصفعة قاسية اصمّتها قبل أن تصمتها تلاها صوته الهادر القاسي: بتعيطي ليه؟ لما كان بيقرب منك كُنتِ بتعيطي؟

هزَّت رأسها بنفي وهي تخفي وجهها بيديها بألم شاهقة بتقتير، صفعها الثانية بقوة أكبر سقطت على ظهر يدها وهو يسألها بنبرة مقهورة: كُنتِ بتقُليله ابعد عني؟
ردت بهستيريا تخبرة بصوتٍ يدمي القلب: متعملش فيا كده ابوس ايدك، أنت أحسن منهُ..
داهمه دوار قوي، شعر من خلاله بالعالم ينقلب، وهمساتها المتوسلة في الإقناع مازالت مستمرة تخترق أذنيه بقوة: أنت أحسن منهُ، أنت أحسن منـ، جاسم!.

فقد الوعي وسقط فوقها بلا حراك، ، ازداد نحيبها وهي تحدق في سقف الغرفة ولا تعلم بامتنان لأنهُ فقد الوعي أم بحزن بسبب ما آلت إليه حاله..
رفعت كفيها ودفعته من منكبه بكل ما أوتيت من قوة حتى سقط فوق الأغطية بجوارها، غادرت الفراش ومضت في طريقها إلى دورة المياه كي تغسل وجهها، عادت بعد بعض الوقت وهي تتحسس وجنتها بتروي وبطء بسبب شعورها بالحرقة، متأكده أنها أصبحت ملتهبة..

جلست في الأرض بجانب السرير وهي تضم ركبتيها إلى صدرها وظلت تحدق به، فلا تستحق أن تقترب منه وهي مدنسة، ، راودتها الكثير من الأفكار التي بدأت تعصف برأسها وكان أكثرها دهاءًا أن تمزق ملابسها وتنتظر أن يستيقظ وتوهمه بأنه أغتصبها. رُبما سيهدأ الوضع فقط في هذا الوقت و سيكونا سيان نسبيا وتتغير المعاملة قليلا، لكنها لن تفعل لن تدمر حياته وتثقل كاهله أكثر من هذا..

صدح صوت أذان الفجر في مكبرات الصوت بصوتٍ مُرتفع قوي، كان ذا رنين داخل أذنيها، لا تعرف أهو عالٍ على غير العادة أم أن أذنها أصابها خطبٌ ما.
بكَت بصوتٍ مكتوم وهي تنظر إلى سجادة الصلاة المتكومة فوق الأريكة مع اسدال الصلاة الخاص بها، فأحيانا كانت تصلي وتنقطع، و أحيانا كانت تتكاسل عن أداء فروضها، و أحيانا لم تكن تتذكرها بتاتا..

لكن الآن لا تسمع سوى الأذان، كأنه يذكرها بكونها مازالت مسلمة مهما حدث ولديها فروض يُجب أن تؤديها، من المؤسف أنها في السابق كانت تتهرب من أداء الصلاة، والآن عِندما تريد لا تستطيع من فرط الخجل والعار الذي يطوقها، حتى مناجاة لله خائفة من الإقبال عليها فبأي حق تفعل؟!

محت عبراتها وهي تتنهنه، ، تمالكت نفسها ووقفت بعدم اتزان، ، دلفت إلى دورة المياه بخطواتٍ مترنحة كي تتوضأ، ، ارتدت إسدال الصلاة وهي تكتم شهقاتها المُلتاعة لكن جسدها أبى أن يتوقف عن الانتفاضة، أمسكت سجادة الصلاة وقامت بِفردها فوق البساط ووقفت تُصلي بين يدي الله..

سعُلت باختناق من كثرة البُكاء وهي تتلو الآيات القرآنية بفاه يرتجف وعينين تفيض منها الدمع، فلو كان جاسم مستيقظا وسمع نحيبها و شهقاتها المتقطعة التي تخرج من نياط قلبها ندماً لسامحها، وإن رآها قُصيّ لم يكن ليسامِح نفسه قط..

سجدت تناجي ربها وتضرع إليه طالبة العفو والغفران بروحٍ مُعذبة و بقلبٍ انشطر نصفين، تناشده بقلة حيلة وضعف، فالإنسان أضعف شخص على وجه الأرض إنه يمثل اللا شيء. الجميع يضحكون، يمرحون، يفرحون، يتزوجون، ينفصلون، يعودون، يتجولون، يعصون، يضلوا الطريق، يعودون مجددا ثم يضلوا من جديد، يمارسون حياتهم بطبيعية و سعادة بِطُرقٍ شتى، يفعلون كل شيء، كل ما تشتهي الأنفس وتميله عليهم رغبتهم، لكن في النهاية الجميع يعلم، عاصي كان أو مؤمن أن لا ملجأ لهم سوى الله، لا عودة سوى إلى الله، لا طريق يوصل للسعادة البرزخية سوى طريقة، كان هو البداية كما سيكون النهاية فمن الظلم لنفسك يا بنى آدم ألا تتعلق بأي فرصة تأتيك كي تتقرب منهُ وتطلب الغفران عما سلف..

وهذا ما كانت تفعله عشق، هل كان من المفترض أن تخسر كل شيء كي تتذكره؟!، نعم هُناك بعض البشر لا يخضعون سوى عِندما ينهزمون ويفقدون الأمل بكل شيء حولهم، ، أنهت صلاتها ثم قامت بثني قدميها أسفلها وظلت جالسة محلها تُسّبح على أصابعها بشرود و فراغُ أسود يبتلع روحها..

خلعت الإسدال وحملت سجادة الصلاه، قامت بثنيها نصفين ثم وضعتها فوق الأريكة كما كانت كي لا يلاحظ جاسم هذا أو يلاحظ غيرة وتبدأ السخرية، بالتأكيد سيتعجب بسبب صلاة الطاهرة الشريفة فجأة..
فمن المؤسف أن تمتنع عن أداء فروضك وواجباتك بسبب بعض السخريات التي ستطرب مسامعك، والمحزن أنك لو فعلتها قد تفعلها في الخفاء كي لا يراك أحد، لكن الله يرى ويعلم..

عادت مكانها بخطواتٍ ثقيلة كأنها مكبلةٍ بأغلالٍ حديدية ثقيلة لتستقر جالسة أرضا بجانب السرير. وظلت هكذا حتى أشرقت شمس الصباح..
تقلب جاسم بعدم راحة وهو يتأوه بخفة بسبب الألم الذي يفتك برأسهُ، فتح عيناه بالتدريج وهو يطلق صيحة متألمة ليبصر عشق تجلس توليه ظهرها بجوار الفراش!.
هتف بإسمها بصوت مُعذب: عشق!

وحدث ما لم يتوقعه واستدارت تنظرت له بجزع مما قد قد يفعل، لكنه إبتسم ظنًا أن هذا من ضرب الخيال وهو ليس بمكانٍ سوى غرفته..
انتصب جالسا نصف جلسة وهو يتثاءب لينتبه على جسده العلوي العاري والغرفة ذات الطلاء الوردي! حرك رأسهُ وثَّبت نظرة على عشق رُبما تكون اختفت لكنها ألقت على مسامعة تحية الصباح بصوتٍ خافت متردد بالكاد سمعه: صباح الخير..

نظر حوله بتخبط وهو يحاول أن يتذكر ماحدث أمس جعل الحال ينتهي به هُنا في غرفتها؟ سامي! خمر! غرفة عشق! عاري الجذع؟!
اتسعت عيناه وقفز مغادرًا السرير، جثي أمامها والأفكار السيئة تعصف برأسهُ، والحيرة تمكنت منهُ وهو يحدق بها بتفحص فهو ليس ذئبا بشريًا كي يقدم على فعل هذا!، لن يصل إلى تلك المرحلة مهما بلغ من السوء..

هزت رأسها بنفي وهي ترى حيرته والخذلان الذي تنطق به عيناه وقلقة من أن يكون أفسد صورته وخذلها. حتى بعد كُل ما حدث هو من يخاف أن يخذلها!.
كادت تتحدث لكنهُ من عاجلها بقوله بقلق وهو يتفحصها بتدقيق وقلبه يخفق في عُنف شديد: أنا أذيتك؟ قربت منك عملتلك حاجة؟
هزت رأسها بنفي قاطع وهي تطمئنة بنبرة غلب عليها الحزن بسبب خوفه عليها حتي من نفسه: لأ محصلش حاجة انا كويسة صدقني كويسة..

هزَّ رأسهُ بإيماءة بسيطة ظافرا بالراحة ثم أبعد نظره عن وجهها الجميل الذي لا يُطالبه سوى بمزيدٍ من التحديق وظل يحدق في قميصه الملقي أرضا منتظرًا الفرصة السانحة كي يأخذه ويترك الغرفة فلا يوجد مايقوله، وليس من اللطف أن يظل جالسا أمامها عاري هكذا..

قرأت أفكاره وفهمت من نظراته ما يُريد وقبل أن يتحرك هرولت هي إلى القميص وأتت به من أجلهُ، أخذه من يدها بهدوء وهو يتطلع إلى نظراتها المترجية التي يعرفها جيّدا، نظره الرجاء التي تعتلي وجهها كُلما طلبت منهُ أن تذهب إلى القاهرة أي إلى قُصيّ، والآن يراها مجددًا كي تبرر له وتخبره المزيد عن قُصيّ، كل شيء من أجل قُصيّ، لكنه آسف ليس تلك المرة لن يستمع..

ارتداه على عجل ووقف لكنها امسكت ساعده بقوة و توسلته بنبرة منكسرة وأعين دامعة نادمة: جاسم اسمعني، لازم نتكلم، نتكلم بس..
سيرفض بالطبع سيرفض يُجب أن يرفض لقد كسرت قلبه، ومرَّغت شرفة في الوحل..
ـ موافق، قالها بثقلٍ يجثم فوق صدره وجلس مكانه يحدق في نقطة معينة أمامه..

جلست أمامه باستقامة، قامت بثي قدميها أسفلها وبدأت تتحدث بنبرة طغى عليها الانكسار: أنا لما ماما وبابا ماتو أتكسرت ومحدش حس بيا يا جاسم، أنت رجعت شُغلك تاني و أنا فضلت هنا، طول الوقت كُنت مع خالتو في البيت عارف كانت بتقولي ايه طول الوقت؟! كانت بتكلمني عنك، جاسم راح، جاسم جه، جاسم عمل وبيعمل، جاسم طيب، جاسم حنين، جاسم وجاسم وجاسم وكان عندها حق هي مقلتش كلمة عليك وطلعت غلط حقيقي، بس أنا كُنت صغيرة عشان أفهم كُنت بهز راسي وبسمع وبس، لحد ما جت في يوم واحنا بنفطر قالتلي عشق ياحبيبتي الناس بدأت تتكلم، وجودك معانا هنا ووجود جاسم في مكان واحد غلط..

انسلت عبرة من بين جفنيها وهي تبتسم بمرارة تستأنف حديثها وهي تطرق برأسها: أنا لما سمعت الكلام ده كُنت فاكرة إنها هتاخدني و هتعيش معايا في بيت بابا او هتروح انت تعيش هناك أو حتى هتسيبوني وهتيجي شغالة وتفضل قاعده معايا وتبقوا تطمنوا عليا من الوقت للتاني. بس صدمتني لما قالتلي جاسم عايز يخطبك، انا سعتها معرفتش أقولها ايه أو ارفضك ازاي بس رغم كده قُلتلها اني لسه صغيرة على الجواز دلوقتي، قالتلي دي خطوبة بس عشان الناس والجواز بعدين لما تخلصي دراسة وتشتغلي كمان، بس برده قولتلها لأ انا لسه صغيرة بصتلي بصة عمري ما هنساها يا جاسم بصة عرفتني أني لو فضلت أقولها لأ هتقولي بتحبي حد ياعشق؟ متفقة مع حد هيخطبك لما تخلصي؟ وطبعا هقولها لأ بس مش هتصدقني عشان أنت مثالي لأي واحدة تروحلها محدش يرفضك غير لو مرتبط، وطبعا كانت هتراقبنى في الرايحة والجاية وكُل شويه تسألني كُنتِ فين و بتعملي ايه و، و، و ومن الآخر حياتي كانت هتتحول وتبوظ أكتر ماهي بايظة عشان كده وافقت..

توقفت تبلع غصتها كي لا تبكِ، لكن عبراتها خانتها وانهمرت أنهارًا من بين جفنيها وهي تستأنف بحسرة: بس عارف اللي كان قهرنى منها ايه؟ انها قالتلي كده وماما وبابا كانو ميتين من شهر بس، هي حبتني يا جاسم عشان انا مرات ابنها مش عشان بنت أُختها، قالتلى بعتبرك بنتي بس لو هي كان عندها بنت مكنتش هتستغل كسرِتها و تجوزها وهي مش موافقة، ورفقت كلامها بشهقاتها المبحوحة المُمزقة لنياط قلبه المسكين وهي تغمر وجهها بين راحتيّ يديها تبكِ بقلبٍ مُثقل بالهموم..

رق قلبه لها، رق قلبه لها للمرة الألف وهو يخفق بعنفٍ شديد مشفقا عليها، فهي سابقا كانت تظل تردد لهُ معظم الوقت أنهُ يستغل أن والديها متوفيين، لكنه لم يعرف أن والدته تركت هذا الأثر السيء في نفسها ولم تشفق عليها! تركت لها جروح غائرة خلفت ندوب لن تشفي مع الأيام ولا السنوات، هو لم يعرف أيا مما حدث، هو أخبر والدته أنه يرغب بها مُنذُ زمن أخبرها وليس عندما توفيان لكن هي من استغلت هذا وطلبتها بتلك الطريقة وفي هذا الوقت ليس ذنبه هذا؟.

اقترب منها بمهلٍ شديد شاعرا بالذنب يمزقه، رفع يديها عن وجهها وهو ينظر إليها بملامح مواسية حانية كما اعتادت أن تراه دوما دافئ مُراعي..
سألها بحزنٍ من أجلها: وليه كده يا عشق ليه مقولتيش ليه مقولتليش انا ليه؟ ليه توصلي نفسك للمرحلة دي؟

أمسكت يده تضغط عليها بقوة وهي تستأنف بانتحاب بنبرة سريعة متلهفة راغبة في الإقناع: كُنت هفسخ الخطوبة في أقرب فرصة تجيلي لكن هي جت وقالتلي عشق ياحبيبتي شكلي كُنت غلطانة الناس بقِت تتكلم اكتر بسبب الخطوبة من غير جواز وانتوا في بيت واحد وده ميصحش علي الاقل تكتبو الكتاب عشان الكل يسكت، وانا سعتها مقدرتش اتكلم ولا اعترض عشان خُفت تِدّخل ومتخلنيش أروح الجامعة وأنا حسيت إنها عملت كده مخصوص عشان الجامعة قبل ما أمشي! خافت لما أخرج وأروح وأجي افسخ الخطوبة او اسيبكم حتى، عشان كده ربطتني بيك خوف من أي حاجة ممكن أعملها وفي الآخر بتزعل لما مناديهاش بـ ماما! ماما عُمرها ما كانت هتعمل فيا كده يا جاسم..

خرج صوته مُتحسرًا وهو يقول بابتسامة ساخرة: اهو حصل اكتر من اي حاجة تخيلتها، شعرت به يرخي يده عن يديها شاعرًا بألمٍ لا يوصف، بشظايا زجاج تتطاير وترشق داخل صدره بلا هوادة، هذا يفسر فعلتها لهذا خانته كي تنتقم منهما؟!

قرأت أفكاره، بل كانت مُتأكده بما يفكر أثناء تحديقه بها بلومٍ كان أقرب إلى القسوة، اقتربت منهُ سيرًا على ركبتيها، احتضنت وجهه بين يديها تحثه على النظر لها قائلة بنبرة صادقة وهي تقسم لهُ: بس والله العظيم والله العظيم عمري مافكرت اني اخونك ولا كان في نيتي أي حاجة من دي تحصل ولا عمري فكرت، أنا مش واحدة شمال ولا عديمة التربية بس بس مش عارفة والله مش عارفة حصل كل ده ازاي!، قُصيّ ظهر في حياتي فجأة صُدفة وبعدين كِترت الصُدف، انا حبيته بجد وهو معرِفش عني كتير بس وجوده في حياتي في الوقت ده فرق معايا كتير، كلامه كان بيداوى جروحي، كان بيواسينى، وبيطبطب على قلبي، انا لقيت فيه كُل حاجة يا جاسم..

هل يشعر أحدًا بخيبته الآن؟ هل أحدا يشعر بذلك الخنجر الحاد المسموم وهو ينغرز داخل قلبه ويتوغل
عميقًا ببرودٍ تام مُعذب يعذبه ببطءٍ قاتل؟!

امتلأ نهر عينيه وهو يرمش بسرعة وبشكلٍ جلي، يبلع غصته بمرارة وصعوبة، ابعد وجهه عن وقع يديها وتحرك كي يذهب بل يهرب قبل أن يبكِ أمامها يكفي شفقةٍ على نفسه، لكنها لم تتركه بل أسندت جبينها على جبينه وهي تعتذر ببكاء وجسدها ينتفض بقوة: أنا آسفة والله آسفة عارفة إن اللي بقوله صعب عليك بس انا هتجنن لو متكلمتش مع حد، مفيش حد غيرك أتكلم معاه، انا مليش حد غيرك في الدُنيا دي كُلها..

سقطت عبراته المحتجزة وأعلن استسلامه، ضم جسدها إليه بقوة حتى التحم بصدره كي تتوقف عن النحيب لأنها تؤذيه، كل شيء يصدر منها أصبح يؤذي قلبه المرهق..

رفعت رأسها قليلا لتتسع عيناها باستنكار وتبدأ بمسح عبراته بسرعة بأنامل مرتجفة وهي تقول بهستيريا و عبراتها تنهمر أنهارًا: أنت بتعيط ليه؟ انا مستاهلش مستاهلش، انا والله بحبك وهفضل أحبك أنت كُنت الراجل التاني في حياتي بعد بابا أنت اللي شجعتني وأنت اللي كُنت بتساعدني و بتذاكرلى! من غيرك كُنت هبقي ولا حاجة والله، أنت مكانك في قلبي أكبر من أي حد في الدنيا يا جاسم أكتر من قُصيّ أنت أب بالنسبالي لا حبيبي ولا أبن خالتي..

توقفت تلتقط أنفاسها بلهاث، استنشقت ما بأنفها بقوة هي تتأمله وبخفوتٍ قالت و عبراتها تتساقط على وجنته أثناء تخليل أناملها داخل شعره الناعم: أنا مش قولتلك قُصيّ داوى جرحي بكلامه؟ بس أتسبب في جرح أبشع منه بكلامه برده، كان بيطبطب علي قلبي اللي دمره بنفسه، كان بيضربني وبعدين يواسيني عشان يجرحني ويعذبني أكتر، لقيت فيه كُل حاجة لفترة من الوقت وبعدين حياتي بقِت جحيم على الأرض، كُل حاجة اتبدلت وبقيت أنت اللي شاغل تفكيري، مكنتش بنام يا جاسم ولو نمت أصحي على كابوس وأنت بتخنقني، كل ما أشوفك، وكل مرة تقُلي بحبك، وكل مرة أحس بحنيتك أكره نفسي اكتر ما انا بكرهها، سامحني يا جاسم سامحني، هعمل المستحيل عشان تسامحني..

أنحنت تقبل يده وهي تترجاه بصوتٍ مذبوح: ابوس أيدك سامحني، انا مستعدة اعيش خدامة تحت رجليك طول العمر ومش هتكلم بس سامحني قولى مسامحك ياعشق قولي مسامحك..

ابعد يده التي امتلأت بعِبراتها ثم ضمها إلى صدره بقوة وهو يتأوه بحزنٍ عميق يثقله، أن قلبه ينزف من أجلها، تجعله يتألم لدرجة لا يستطيع تحملها، إنها طفلته، لقد ضلّت طريقها ولم يكن أحدًا بجانبها ينصحها كي تعود إلى رُشدها، ليس من العدل أن تطلب العون منهُ ولا يمد يدِ العون لها و يتخلي عنها! سيظل والدها كما تُريد ففي كلا الحالتين عودتهما معًا شبه مُستحيلة..

أخذ يمسح على شعرها بحنان وهو يهدئها: هششش إهدي، إهدي..

دفنت رأسها بصدره بقوة تُريد إدخالها بين طيات قلبه وهي تلف يدها حول خصره قائلةً بنحيب وجسدها ينتفض بأكمله: أنا عارفة أني مليش عُذر ولا سبب يخليك تغفرلي اللي أنا عملته، زي ما أنا عارفة انك مش مُجبر تقبلني في حياتك تاني، انا مستاهلش غير العقاب، عاقبني اضربني اعمل فيا اللى أنت عايزه بس متسكتش وتكتم في نفسك، أنت غالي عليا اوي ومستحملش أنك تتكسر بسببي، انا والله كُنت هقولك كتير وأكتر من مرة بس مقدرتش عشانك، مقدرتش أشوف النظرة اللى انا شايفاها في عينيك دلوقتي، أنا آسفة..

لا تعرف أن آسف لم تعد تجدي نفعا في تلك الظروف وفي حالتها خاصة لكنها لا تملك غيرها كي تُقدمها لهُ..
ـ هشش إهدي كفاية عياط كفاية، قالها بدفء وهو يخفض رأسهُ قليلا يُلثم جبهتها بحنان كي تهدأ فهو لن يؤذيها لن يقبل على فعل هذا أبدًا..

فصل العناق واغتصب ابتسامه من أجلها وهو ينظر لها نظرة حانية أطمئن لها قلبها بينما يقول بأكثر نبرة دافئة مواسيه سمعتها منهُ رغم قلبه المنفطر الذي يحتاج لمن يربت عليه: انا مش محتاج خدامة تحت رجلي! انا محتاج عشق ترجع عشق تاني..

انسلت عبراتها وهي تطرق برأسها بانكسار لكنه لم يترك المجال لها لتفعل بل رفع ذقنها ببنانه ثم قلد مافعلت معهُ منذُ قليل وهو يمسح عبراتها بسرعة ونحدث بهستيريا: أنتِ بتعيطي ليه؟ انا مستاهلش مستاهلش، انا والله بحبك وهفضل أحبك أنتِ كُنتِ السِت التانية في حياتي بعد ماما أنتِ اللي شجعتني وأنتِ اللي كُنتِ بتساعدني في الرسم! من غيرك كانت لوحاتي هتبقي ولا حاجة..

ضحكت بنعومة وهي تنظر لهُ بامتنان ثم وعدته بصدق: هرجع عشق و أحسن من الأول بس لـ..
ـ ندمانة يا عشق؟!، بتر قولها سؤاله بصوته الهادئ كأنه لم يستمع إلى رجائها وبكائها مُنذُ قليل، كأن كُل شيء تبخر وهذا سؤال مُختلف كُليا لكن رغم هذا ردت عليه بندمٍ طغى على نبرتها: وهفضل ندمانه طول عمري.
هزّ رأسهُ بتفهم واختصر ما يُريد أن يقوله بتلك الكلمات: وده كفاية بالنسبالي، و دلوقتي عقابا ليكِ..

خفق قلبها في عُنف وهي تنظر لهُ بشحوب مُنتظره أن يلقي عقابه عليها وسوف تُنفذ دون أن تنبس ببنت شفة لن تعترض بتاتا..
ـ اعمليلى قهوة عشان دماغى مصدعه بقي، قالها بتسلية من خلف قلبه الثائر المحطم وهو يُراقبها بابتسامة خاصة كانت لأجلها فقط، أشرق وجهها و تبسمت بسرور ثم وقفت بحماس قائلة بطاعة: من عنيا الاثنين، وتركت الغرفة وهرولت إلى الأسفل تحضر له القهوة..

تلاشت ابتسامته كـ تلاشي الدخان في الرياح وهو يكتم آهه مكبوتة بين جنبات صدره غير قادرعلى البوح بها بعد ذهابها كالملكوم، فهو اتخذ قراره، سينسي، سيتلاشي الألم كـ تلاشي ابتسامته بالتأكيد، هو المخطئ لأنهُ ترك زمام الأمور لوالدته من البداية، هذا الجانب من شخصيتها لم يعهده قبلًا ولا يعرف عنهُ شيء، وعشق آه من عشق هي جاهلة بقدر الحُب الذي يكنه لها، يقسم أنها لن تجد من يُحبها بنفس القدر..

في منزل عمّار..
ضم قبضته ثم طرق ثلاث طرقات فوق الباب وهو يمسك معطفه الأسود بيده الأخرى لكن لم يأته ردّ، أدار المقبض ودلف ليجد ما توقعه، مازال نائمًا، سار ناحية النافذة، أبعد الستائر وهو يتمتم بتسلية لتضيء الغرفة: قوم يا حبيبي حضرتلك الفطار.

ابتسم آدم وهو يضع الوسادة فوق وجهه لثوانٍ قليلة حتى وصل عمًار ونزعها من فوق وجهه وقذفها عليه وهو يحثه على الاستيقاظ: انا بقيت شغال دلوقتي وعندي مسؤوليات قوم كُل معايا وبعدين تعالي كمِل نوم يلا! عملتلك فطار ملوكي مراتك متعرفش تعمله قوم..
ابتسم آدم ابتسامة سرعان ما اختفت وحل محلها الحسرة، فأي زوجة ستكون هذه، مُحير ومتعب هو التفكير في هذا..

تنهد تنهيدة ثقيلة وهو يغادر الفراش، دلف إلي دورة المياه بينما عمّار جلس على طرف الفراش يعبث بهاتفه قليلًا ليجد رسالة نصية وصلت لهُ من لمار فتحها وهو يحدق في أسمها الذي سجله على مضض، يقرأ محتوى الرسالة بعينيه وملامحه تتقلص بمقتٍ شديد، أغلقها ولم يهتم، رفع رأسهُ عِندما سمع صوت باب دورة المياه يفتح و يخرج آدم، ابتسم وهو يُخيل لهُ أن ليلي هي من تطُل عليه من خلف ذلك الباب يا إلهي كيف سيكون شعوره في هذا الوقت؟! دغدغ هذا الشعور حواسه وجعله يبتسم ببلاهة وهو يحملق في باب دورة المياه وعقله في مكانٍ آخر.

وكزه آدم بخفة في وجنته وهو يضحك كي يستفيق قائلا باستفهام: ايه سرحان في ايه؟
هزّ عمّار رأسهُ وهو ينفي قائلا بسخرية: مفيش بفكر في المرحومة..
ضحك آدم وهو يتجه ناحية حقيبة الملابس، مال عليها
يخرج ملابس وهو يقول: خلص نفسك وانجز واتجوز بقى متخِبش خبيتنا..

تنهد عمّار بـ همٍ وهو يتذكر الحديث الذي دار بينهما أمس، سعيد اللعين يُجب أن يتخلص منهُ، هل جرحها بطريقته الفظة يا تُري؟ لا يُهم تستحق كي تتوقف عن الحديث بالتُرّهات ومقارنته بذلك القُنفذ..
سأله بعدم فهم: أنت هتلبس ليه؟
ردّ عليه وهو ينتقي الملابس باهتمام: عندي معاد مع زميل بابا لأني عايز أسأله عن كام حاجة كده..
هزّ عمّار رأسهُ بتفهم وهو يتفحصه بنظراتٍ مدققه ثم سأله ببعض القلق: أنت كويس؟

هزّ رأسهُ وقال بثقل وهو يجلس جواره: مصطفي متجوز سالي..
قطب عمّار كلا حاجبيه وهزّ رأسهُ بخفة ومقلتيه تدور في أرجاء الغُرفة ثم قال ببطء كان كسؤال: مراته عُرفي؟ أكيد عُرفي مش السكرتيرة؟!
تشوش آدم وعصفت الأفكار برأسه لكنهُ نفي هذا و استنكره بشدّة: لأ لأ ده بيحبها يا عمّار قالي بحبها وبعدين كانت معاه من زمان من بداية شُغلة تقريبا أكيد بيحبها و متجوزها رسمي.

باغته عمّار بقوله وهو يبتسم جعل حيرته تتزايد: قُصيّ بيحب عشق!
تنهد آدم بضيق ثم قال بانزعاجٍ شديد: ليه بتقول كده مش عايزة يِطلع بيغفلني أخويا كويس مش هيعمل فيا كده؟

رفع عمًار حاجبه الأيسر محتجا وهو يحدق به ثم أردف بتهكم: طب ما هو ممكن يطلع كويس عادي يعني الاحتياط واجب، وبعدين ملكش حق تضايق! أنت واحد بتبص لمراته وبتحبها واللي حصل قمة العدل على الأقل عِرفت من البداية وهتعرف تتصرف أما هو لسه ما يعرفش حاجة عنك..

حرك آدم شفتيه كي يُدافع عن نفسه أمام هجوم عمّار الذي كان طبيعيا وحقيقي لكن نبرته تبدلت لأخرى باردة وهو يخبره: غيّر و يلا عشان تفطر هستناك تحت، وتركه وترك الغرفة وغادر.

ألقي آدم جسده فوق السرير بإحباط وهو يتأفف ثم التقط الهاتف من فوق الكومود وراسل سالي، توقفت أنامله عن النقر بعد أن بعث الرسالة وجلس يفكر في آخر مرة حادثها؟ كان بعد خطبتهم بيومين، تبادلا الرسائل النصية و بعض المزحات ثم التهي بما يفعل ولم يعد يراسلها وهي لم تسأل عنهُ بل كانت تبعث لهُ رسالة في نهاية اليوم ويرد عليها صباحا وهكذا، كانت لحظاتٍ مملة لم يتذكرها بسبب كونها لحظات باردة لا تعني لهُ شيء.






في منزل آدم..

كان مصطفى ينام بجوار تالين فوق السرير يقظا، يسند مرفقة فوق الوسادة وراحة يده أسفل رأسه يتأمل ملامحها الناعمة وخصلاتها التي تفترش الوسادة بنظراتٍ هادئة باسمة عميقة، فهو يراها جميلة، ناعمة، هشة، زوجة رقيقة قليلة الحيلة أمام والدته المتكبرة. كان يُجب عليه أن يُطيب خاطرها أمس بعد ذلك الشجار، وأثناء فعل هذا ووقوفة أمامها وهي ترتدي منامتها التي لم تخفي الكثير عن عينيه الجائعة وبكائها الخافت الرقيق، وتورد وجهها الذي رآه مُغريا. ومن دون مقدمات وجد نفسه يُقبلها و انجرف معها بمشاعره، فهو يعرف أنه مُقصر معها ومنذُ أشهر لم يقترب ويلمسها ويتحجج كـ إمرأةٍ حائض، لا يعرف لما يكِن كُل ذلك الولاء إلى سالي رغم أن تالين زوجته و مايفعله لا يندرج تحت مسمى الخيانة هذا ضمن حقوقه وواجباته ناحيتها..

مال يقبل كتفها العاري الظاهر بنعومة أمامهُ، فتحت عينيها بثقل ونعاس وهي تتقلب بتكاسل، اعتلى ثغره ابتسامة جذابة كانت تراها في شهر عسلها فقط وهو يقول: صباح الخير..
ابتسمت ابتسامة متذبذبة وهي تنظر لهُ قائلةً بخفوت عقبة سؤال: صباح النور، مش رايح الشُغل؟
سألها بعبثٍ وهو يمرر أنامله فوق كتفيها بحركاتٍ خبيثة أصابتها بالقشعريرة: زهقتي مني ولا ايه؟

هزّت رأسها بنفي وقلبها يخفق في عُنف وهي تراه يدنو منها! هل سيفعل هذا مجددًا؟! لا تعرف ماهية شعورها تماما لكنها لا تُريد، كانت تتوق لاقترابه منها فيما مضي وتطالبه لكنها أصبحت لا تُريد الآن، ظنَّت أمس أنها ستقضي ليلة رائعة، خيالية، مثل الليالي السالفة لكن هذا لم يحدث، هُناك شيء أحدث في قلبها غيّر دواخلها وهي تعرف من المسؤول عن هذا..

استفاقت من شرودها على تلك الأنفاس الحارة التي كانت تلفح صفعة عنقها تلاها تلك القبلات الحارة التي تعرف نهايتها جيّداً، حركت رأسها بانزعاج وهي ترفع يديها تدفعه من منكبه بقوة متحججة بالعمل بصوتٍ مُختنق متقطع: هـ، هتتـ، أخر على الشغل يا مصطفي؟
هزّ رأسه وقال بلا مُبالاه قبل أن يقتنص من رحيق شفتيها: مش مهم وحشتيني، ولم يعد هُناك مجال لحديثٍ آخر بعد هذا..

بعد ساعتين كانت قد أنهت حمامها وصففت شعرها وجلست أمام مكتبها كي تدرس، بينما مصطفي كان يرتدي ملابس الرسمية كي يذهب إلى العمل كما كانت تظن لكنه كان يملك رأيا آخر..

مال يحوط خصرها بيديه مداعبا إياه بجرأة لم تعهدها منهُ نهائيًا، شعرت بالقشعريرة تدب في أوصالها أربكتها، ابتسمت مُلاطفة وهي تضع يدها فوق يده ليقبل وجنتها بخفة وهو يزيد من ضم خصرها أكثر حتى التصق ظهرها في ظهر المقعد مشاكسًا وهو يسألها: بتعملي ايه؟
يا إلهي كُل هذا الالتصاق من أجل هذا السؤال؟ إن ألقاه من بعيد كانت سترد عليه ماله اليوم يُفرط في الرومانسية معها دون سبب..

ردت بنبرة مهتزة وهي ترفع رأسها ليداعب شعرها ذقنه: بذاكر امتحاني بعد يومين..
رفع يده و أمسك ذقنها بنعومة بينما يقول بابتسامة: سيبك النهاردة من المذاكرة ويلا البسي عشان نفطر بره ونكمل باقي اليوم في أي مكان تختاريه مفيش شُغل، وبعدين أنتِ بتذاكري بقالك فترة اعتبري النهاردة أجازة..
أومأت وهي تبتسم ببلاهة أثناء رمشها بسرعة ومازالت تنظر له بتعجب جلي، فمنذ متي يفعل هذا؟
هل لاحظها وتذكرها أخيرا؟!

لم تستفيق من أفكارها سوى عِندما وجدت نفسها تحمل بين يديه برقة شديدة كـ ريشة متجها بها ناحيه خزانة الملابس!، لم تستطيع أن تكبح ضحكتها بل ضحكت بصوتٍ مبهج رنان وهي تطوق رقبته، متعجبة، بل ذاهلة مما يحدث معها الآن من هذا!
ابتسم بسرور وهو ينزلها أمام الخزانة، لثم جبينها بحنان ثم قرص وجنتها بخفة قائلا بابتسامة جذابة: غيري عقبال ما أعمل مكالمة..

أومأت بابتسامة سعيدة وهي تفتح الخزانة بينما هو دلف إلى الشرفة كي يُحادث سالي..
أنهت ارتداء ملابسها وقلبها يرقص فرحًا بسبب التغير العجيب الذي طرأ عليه! يبدو أنه كان مشغول ومضغوط كما كانت تظن..

نثرت عطرها وهي تهز رأسها باستمتاع لـ تتناثر خصلات شعرها وترفرف حول وجهها بنعومة، تقدمت من الشرفة بخطواتٍ حثيثة كي تفاجئه وياليتها لم تفعل، تيبست قدميها وشعرت بِـ سطلا من الماء البارد يسقط فوق رأسها، تلاشت ابتسامتها المبهجة وحل محلها الخذلان وهي تسمع حديثة بانكسار..

ـ أنا آسف والله يا حبيبتي مش هقدر اجي الشغل النهاردة، ماما تعبانة جدًا وآدم مش في البيت لازم أفضل جنبها هعوضك يوم تاني ها مع السلامة يا روحي باي..

خانتها عبراتها التي انسلت من بين جفنيها بمهانة، وضعت يدها على فمها تكتم شهقتها قبل أن يسمعها ومن ثم ركضت إلى دورة المياه تبكِ وحدها بحرقة، فآخر ما توقعته أن يخونها لمَ فعل؟ بماذا قصرت معهُ؟! ولمَ يكذب بشأن والدته هي لم تجبره كي يبقَ معها فليركض لها كي ترضي عنهُ هذا الخائن، فلن تنسي هذا الشعور البشِع الذي تركه في نفسها بعد سعادةٍ عميقة غمرتها بسببه..

في منزل ليلى..
تنهدت وهي تكتب ملحوظة على الورقة الملونة أمامها ثم وضعتها فوق باب الثلاجة وهي تبتسم ثم غادرت، فتحت باب المنزل وقبل أن تخطو خطوة واحدة شهقت بخضة وانتفض قلبها وعادت إلى الخلف بقلبٍ يخفق بقوة، حركت الباب كي تغلقه لكن قبضة الحرس الشخصي الضخمة التي دفعت الباب للخلف أوقفتها مع قوله باحترام: أحنا تبع عمّار باشا..

ـ باشا؟، لفظتها باستهجانٍ واستنكارٍ لأبعد حدود كأنها لفظًا نابي أُلحق بإسم عمّار.

رمشت قليلا ثم أعادت فتح الباب على مصرعيه، حدقت في الرجل ذات البِنية الضخمة والمنكب العريض والصدر الصلب والملابس السوداء الرسمية و النظارات الشمسية و السماعات كأنها شخصية مهمة في الدولة! تفحصت ملامحه الجامدة التي غلب عليها القسوة بتدقيق وريبة وهو يقف أمامها بجوار صديقة جنبًا إلى جنب كحائط سد غير قابل للانهدام بينما هي بالكاد كانت تطابق حجم سلاكة الأُذن بجانبها..

أخرج أحدهما الهاتف وبدأ في الحديث بجدية أكثر وكما فهمت من حديثه أنه عمّار، مدّ يده لها بالهاتف وباحترامٍ قال: عمّار باشـ..
ـ خلاص خلاص انا تمام مش هتكلـ، هاته، قاطعته ببعض الحزم أولًا لكنها تذكرت نادين طلب نادين وهذا ما جعلها تتناول الهاتف منهُ وتتحدث على عجلة من أمرها: عمّار لما توصل الشركة تبقي أطلع عشان عايزاك، وأغلقت الهاتف في وجهه قبل أن يرد ثم ناولت إلى أحدهما وسارت إلى سيارتها..

لكن كما توقعت اعترض طريقها أحدهما وتحدث بخشونة: هنيجي معاكِ ممكن المفتاح؟
زفرت وهي تخرجه من حقيبتها ثم ناولته له بهدوء، فلا ذنب له كي تتشاجر معهُ على عملٍ مُكلف بهِ، الثور الذي يجلس في مكتبها الآن هو المسؤول وهو من يُحاسب، لأنهُ من يُضخم الأمور ويبالغ بها!
وصلت بعد وقتٍ قياسي إلى العمل بسبب القيادة السريعة بخلاف قيادتها البطيئة كأن البنزين نفذ منها..

دلفت من مدخل الشركة، تسير بشموخها المُعتاد و كعب حذائها المرتفع قليلا يطرق خلفها وهي توزع ابتسامتها الرقيقة على من تُقابلهم من العاملين لديها في طريقها إلى المصعد المُكتظ بالعاملين..

صعدت بعد دقائق، أوصت رنا على قهوتها الصباحية لتخبرها بوصول عمّار و انتظارة لها في الداخل، دلفت إلى غرفة المكتب، جالت بنظراتها داخل الغرفة تبحث عنهُ لكنها لم تجده يجلس على المقعد مثل كُل مرة، بل وجدته يتمدد فوق الأريكة بكُل راحة ويضع ذراعه فوق وجهه خافيًا الضوء عنهُ..

ضغطت على حقيبتها بقوة وهي تصر على أسنانها بغضبٍ جامح و ملامحها تتبدل تلقائيا لأخرى باغضة وهي ترفع حقيبتها بقوة كي تصفع بها وجهه، توقفت وتنهدت بصوتٍ مرتفع جعلته يرفع يده وينتصب جالسًا وهو يتثاءب لـ تتخطاة وهي تفرك فتحتي أنفها بانزعاج بسبب رائحته المتفشية في الغرفة، لمَ يُسرف في وضع العطر لمَ؟ هي لا تُريد أن تختنق..

قذفت حقيبتها فوق سطح المكتب وترأست مكتبها، اضجعت على مقعدها الوثير وراقبت تقدمه وجلوسه أمامها..
بادرت بتحيته بابتسامة كان وقعها على قلبهُ مدمرًا: صباح الخير يا عمّار
ابتسم وهو يمد قدميه على الطاولة أمامه بينما يسألها: عمًار ده انا؟
ردت عليه وابتسامتها قائمة دون أن تتغير: طبعا أنت في حد غيرك معايا هنا؟
هزّ رأسهُ بنفي وهو يبتسم لها بالمثل وردّ تحيتها: صباح نور على أجمل عيون..

تخضبت وجنتيها بحمرة بسيطة ثم حمحمت بخفة كأنها لم تسمع، تحدثت في صُلب الموضوع بكل هدوء وكياسة: بُص يا عمّار أنت دخلت حياتنا وتوغلت فيها بما فيه الكفاية بس متوصلش أنك تجيبلي لوحين يمشوا جنبي في كل حتة و يلفتوا النظر ليهم!
سألها بعبثٍ وهو يبتسم: يمشي لوح واحد؟.
طرحت سؤالها بابتسامة وهي تسند وجنتها فوق راحة يدها: واللوح ده عمّار؟
اتسعت ابتسامته وحثها على إعادة قولها بنبرة راغبة: قوليها تاني.

قالت بتردد: عمّار؟!
ـ لأ لوح..
ضحكت برقه جعلت قلبه يرفرف ويجزم أنها جُنّت، منذُ متى وهي تضحك لشيءً تسمعه منهُ؟ ما خطبها؟، يفضل الثائرة في هذه المواقف لأنهُ يفهما أكثر وهذا غير مطمئن، أخرجه من شروده متابعتها للحديث بتعقل ورزانة: عارفة ان ده ضروري عشان تحميني بس أنا مش عايزة..

هزّ رأسه بتفهم و مازال التعجب يأخذ طريقه إلى تقاسيم وجهه فهذا الهدوء وعدم العصبية في الحديث لا يريحة، هل وجدت سلامها النفسي أخيراً ولن تصرخ عليه؟!
تنهد وقال بنفس الهدوء: عندك حق بس هُمه مش بيدخلوا معاكِ في حتة دول بيودوكِ ويجيبوكِ بس وده مش هيخليهم مُلفتين زي ما أنتِ شايفة؟

نظرت في ساعة معصمها قليلا ثم قالت لهُ بأسف: معلش نتكلم في الموضوع ده بعدين عشان وقتي ضيق، انا طلبتك مخصوص لأني عايزة اطلب منك طلب هتعمله؟!، ها قد بدأت يعلم أن هُناك خطبا ما..
أومأ وشرع في الحديث بصدق: لو هقدر اعمله اكيد هعمله!
نظرت لهُ بثبات ثم قالت بغصة لا تعرف مصدرها: أخطب نادين يا عمّار..

صمت كئيب سيطر على المكان لم يخلو من صوت أنفاسه الثائرة، للحظاتٍ حاول استيعاب ما سمع منها قبل أن يقول باستنكار بسبب طلبها الغبي: أنا امبارح أقولك اتجوزيني والنهاردة تقوليلي أخطب بنتي؟ أنتِ بتستهبلي بقي!
وعقب قوله وقوفه من مكانه وتركها وغادر دون إضافة شيءً آخر، لكن استوقفه قولها بنبرة مهزوزة كانت هادئة رغم هذا: متمشيش وتسيبني وانا بكلمك!

استدار لها وهدر بغضب الشرار يتطاير من عينيه: كلامك مش عاجبني عشان أفضل واسمعه..
أخذت شهيقا طويلا وهي تبذل مابوسعها من مجهود كي تظل هادئة دون انفعال ثم قالت متظاهرة بالحياد العقلاني: ماهو لو موفقتش يا عمّار يبقي تخرج من حياتنا عشان هي تقبل فكرة انك مش موجود، لكن لو هتفضل قُدامها وقُريب منها يبقى تخطبها يا عمّار، أنت المسؤول وأنت اللي دخلت حياتها و خطبتها و علقتها بيك دي مشكلتك لوحدك ولازم تحلها!

رفع زاوية شفتيه بتهكم ثم سألها بسخرية: وده الحل بقي توافقي بنتك ترتبط بواحد مبيحبهاش وبيحبك أنتِ؟
خللت أناملها داخل خصلات شعرها وهي تتنفس بانفعال ثم قالت بيأس: يا عمّار أفهم أنت بالنسبالي ولا حاجة وانا مش بحبك بنتي هي اللي بتحبك وأنت كُنت مرتبط بيها يبقي ارجعلها ايه المشكلة؟
زفر بينما يقول برفضٍ قاطع: المشكلة إني مقدرش اتجوزها هي دي المشكلة..

أغلقت الهاتف الذي بدأ بالرنين ثم قالت بثقة: ومين قالك انك هتتجوزها؟ أفرض عِرفتك على حقيقتك وصدقت انك متستاهلش واحده زيها فـ تسبيك هيبقي في جواز؟
ابتسم بوحشية وهو يكور قبضته بغضبٍ جلي حتى ابيضت ثم طرق على المكتب بقوة وهدر بخشونة: ده على أساس أن أنا كورة تحدفيها أنتِ وبنتك لبعض؟
ومن العجيب أنها لم تجفل لم تفزع بل كانت تستمع إليه بأذان مصغية و ببرودٍ تام قالت: أنت اللي حطيت نفسك في الموقف ده..

كشر عن أنيابه ووقف بطوله الفارع أمام المكتب ثم مال بجذعة أمامها وسألها بسخريةٍ لأبعد الحدود: والنبي قولي لي بس أنتِ فاكره نفسك ايه؟.

حركت شفتيها وكادت ترد دون أن تهابه لكنهُ لم يعطها فرصة للكلام وتابع وهو يقرع زجاج سطح المكتب بقوة هادرًا بسخط دون أن يُنمق كلماته: طظ في الشغل وفي حياتك اللي دخلتها وفيكِ أنتِ شخصيًا ماشي، و أنا سيبهالك مخدرة تبقي اتصلي بالبوليس بقي وقوللهم في واحد مضايقني ومش رادي يخرج من قلب بنتي يا أم تفكير مريض..

ورفع جذعة وانتصب واقفًا، رشقها بنظرةٍ باردة وترك المكتب وغادر بعد أن صفع الباب خلفه بقوة، بينما هي كانت في مكانٍ آخر شاردة وهي تضع يدها على قلبها الذي يخفق بانتظام طبيعي دون ثوران وخوف! ماذا ألم تعد تخافه؟
تمتمت بذهول وهي تمسد فوق محل قلبها: أنا قلبي مات ولا ايه؟

بينما هو دلف إلى غرفة المكتب في الأسفل بتجهم و الشرار يتطاير من عينيه مستعدًا للفتك بأي شخص يتحدث معهُ، ليجد لمار تندفع وتقف أمامه وبدأت في الثرثرة: اتأخرت ليه؟ و بتتجاهل رسايلي كمان انا جبت قهوة هات فلـ، توقفت الكلمات بحنجرتها ولم تكمل عِندما رأت نظرتهُ الخطيرة تجاهها، ازدردت ريقها بحلق جاف، ودارت مقلتيها في أرجاء الغرفة بارتباك ثم استأنفت قائلة بتوتر وهي تلتقط كوب القهوة البلاستيكية من فوق المكتب ووضعته بين يده: جبتلك قهوة اشرب وروّق اعصابك اشرب.

جلس على الكرسي وهو يتأفف ثم وضع كوب القهوة من يده بقوة وبدأ يهز قدميه بتوتر وهو يفكر تحت نظرات لمار التي كانت تتفحصه باهتمام منتظرة أن تتحين لها الفرصة كي تحادثة، سحبت كرسي فارغ وجلست جواره تراقبة بطرف عينها حتى توترت وبدأت بهز قدميها مثله، وضعت القهوة من يدها ثم وضعت يدها فوق ركبتيه كي يتوقف وهي تتوسله: كفاية توتر كفاية.

توقف وأبعد يدها عنهُ بانزعاج شديد، كان تحت نظرات رنا المُسلطة عليهما، فهي أتت كي تأخذ بعض الأوراق من هُنا. ابتسمت ابتسامة جانبية ذات مغزى لمحها عمًار عِندما حانت منها التفاته ثم تجاهلها بعدم اهتمام وصبَّ تركيزه على تلك التي تجلس أمامه.
سألها بيأسٍ تمكن منهُ: أنتِ متأكدة من الكلام اللي قولتيه امبارح صح؟

هزّت رأسها مؤكده وشرعت في الحديث بثقة: طبعا متأكده الكلام ده من زمان بس مشكلة ليلي إنها بتثق فيهم همه الاثنين ثقة عمياء و مش بتصدق اي حاجة تتقال ولا بتهتم أصلا!
تمتم باعتراض لا يُريد التصديق: ما هو صعب إني أصدق برده وهو بقاله سنين بيساعدها وواقف جنبها!.

ضحكت بسخرية وقالت بتهكم لكن بصوتٍ مُنخفض: بيساعدها وبيستفاد من وراها أد كده أنت متعرفش حاجة، ده الأسبوعين اللي كانت مسافرة فيهم من فترة في واحد من اللي شغالين في الأرشيف كشف كُل حاجة وعمل خناقة كبيرة وفضحهم في الشركة عشان مكنش عارف يوصلها راح سعيد جه وبهدله وطرده من الشركة ومشي ولا كأن حاجة حصلت ومحدش قدر يتكلم ولا يفتح بؤه لما رجعت عشان عارفين ان اخرتهم الطرد ومش هتصدق!

مسح وجهه بعصبية والأفكار تعصف برأسهُ مُتحير في كيفية التصرف. تلك الغبية تظن نفسها ذكية وهي لا تعرف ما يحدث خلف ظهرها ولا الشرور التي يضمرها لها ذلك المدبر للمكائد اللعين..
قالت لهُ بنبرة هادئة وهي تري حيرته: لو عندك مشكلة قُلي ممكن اساعدك، عارفة أن الثقة مش حاجة سهلة، بس صدقني انا كويسة ثِق فيا انا مش عايزة غير كُل خير ليها حقيقي..

نظر لها مطولا وهو يُفكر بعمق، فهو بحاجة لمساعدةٍ هُنا بأي شكلٍ من الأشكال، لكن هل يثق بها ويخبرها كُل شيء؟
بينما في الأعلى كانت رنا تتحدث في الهاتف خلسة وبصوتٍ مُنخفض وهي تقف في الغرفة المُخصصة لصنع المشروبات تتلفت حولها بقلق: سعيد باشا، تمام ممكن تكلمه وتتفق معاه، ده طلع عادي مش زي ما انت فاكر و شكله كده هيشبُك مع واحده من اللي شغالين معاه تحت، تمام، تمام مع السلامة.

في الأسفل، ضحكت بتسلية وهي تضع يدها على فمها جذبت الأنظار إليهما ليوبخها عمّار بدوره بغيظ: بتضحكِ علي ايه يا سخيفة يا باردة أنتِ؟!
استعادت رباطة جأشها ثم قالت والابتسامة تزين ثغرها: متزعلش مش قصدي والله، بس يا عمّار هي عندها حق الستات بتحب الحنية كُنت هاتفها بالحنية! بس بُص أنا لو مكانك برده هخطب نادين عـ، رفع يده أمام وجهها بحزم كي تصمت وغمغم بسخط: شكرا للنصيحة أُسكتي مش عايز أسمع.

أنزلت يده واقتربت بمقعدها أكثر وتابعت بإصرار وهي تحثه على الانتباه عِندما تجاهلها: لو خطبت نادين هتغير صدقني هتغير.
أعتصر الهاتف بيده بنفاذ صبر وهدر وهو يكاد يلكم هذا الوجه الحسن: هتغير ليه هي بتحبني اصلا؟ وبعدين دي بنتها مش اختها يعني.
تنهدت بإحباط وقالت بحزم: بس لازم واحده تسيبك للثانية!
ـ اهي سبتني لبنتها يختي، قال ممتعضًا وهو يتأفف.

فكرت قليلا بإحباط ثم قالت باستسلام: ماهو لازم تخطبها عشان تفضل جنبها وصدقني صدقني هتنجح وهتغير وخصوصا لما تشوف علاقتك مع نادين مستمرة من غير ماتسيبك زي ماهي فاكره، هتتقهر وهتشوف
هزّ رأسهُ بنفي وقال بنبرة مفعمة بالحزن متأثرة وهو يفكر بها: وأنا مش عايز اقهرها! ولا عايز يحصل شرخ في علاقتها مع بنتها لأنها مالهاش غيرها وهي دنيتها كُلها مينفعش مش هسامح نفسي لو دمرت علاقتهم..

ابتسمت لمار وهي تتأمل ملامحه الرجولية الجدِّية المتأثرة ثم قالت بفخر كأنها تعرفه منذُ زمن: أنت حد كويس يا عمّار ومش هتوصل للمرحلة دي ان شاء الله..
أومأ ومازال يفكر حتى قطع هذا الصمت رنين هاتفه برقمٍ غير مُسجل، كاد يغلقه لكن شيء داخله حثه على الرد..
ـ الو، ايوا أنا مين؟ سعيد؟

اتسعت مقلتي لمار وهبت واقفة، هرولت ووقفت بجانبه، ألصقت أذنها بالهاتف الموضوع فوق أذنه تستمع لمَ يقول باهتمام حتى أنهي المكالمة..
دفعها بسخط وهو يغمغم باستياء: ايه يا ماما مش للدرجادي؟ في مليون سعيد مش واحد بس!
ضحكت وهي تفرك مؤخرة رأسها بارتباك ثم قالت بحماس: بس طلع سعيد ده ويلا روح قابلة وشوف عايز ايه ومتنساش اهم حاجة سجل اي حاجة يقولها..

أومأ وهو يقف يستعد للذهاب لتودعة بقولها بعفوية: بيبي في أمان الله..
ضحك بخفة ثم استدار ودفعها من وجهها لتسقط فوق الكرسي وشرع في الحديث بنبرة آمره: خلصي الشُغل ده لحد ماجي، وتركها وغادر لتبدأ هي بالعمل بابتسامة متمتمة بازدراء: ايدك عاملة زي اللوح كتك نيلة.
ـ ايه اللى يحصل ده؟، سأل أحد الموظفين صديقة.

هز الآخر رأسهُ بجهل وقال بسخرية: تاني يوم ليه بس وروضها خلي بالك بقي من حبيبتك ها شكلة صاحب المهام الصعبة، حدق صديقة في محبوبته الانطوائية التي تجلس فوق مكتبها تعمل دون الألتفات أو التحدث لأحدٍ وهذا جعل قلقه يتفاقم فلن يتركه يخطفها من بين يديه بالتأكيد..

تنهدت لمار بحزن وسط عملها، زمت شفتيها عِندما استمعت إلى صوت معدتها الصارخة بالجوع، وقفت وحملت حقيبتها والهاتف بعجله من أمرها ثم بدأت في التحدث بسرعةٍ لا يستطيع أحدًا مجاراتها فيها حتى لا يوقفها أحدهم باعتراض: أنا جعانة هجيب اكل بسرعة وجاية مش هتأخر، محمود يا خباص مش هتأخر ها، ومضت في طريقها
في أحد المطاعم المجاورة للشركة..

كان آدم يجلس على أحد الطاولات أمام صديق والده العجوز الهرم يراقبه بابتسامة أثناء تناول الطعام بشهية..
سألهُ بابتسامة مبهجة وهو يعد الطعام عليه: ها يا عمي مش هتحكيلي بقي ولا هنستني للعشى؟
ابتسم العجوز وهو يمضغ الطعام ببطء ثم سأل باستفهام و نبرته خرجت مرتجفه قليلا بحكم سِنه: عايز تعرف حاجات تخليك مش مبسوط في حياتك ليه يا آدم؟ احنا عايشين اهو وكويسين مالك بقي؟

ضحك آدم وهو يحدق في شعره الذي غزاه الشيب وسأله باستنكار: مين اللي مبسوطين وكويسين؟ ده أنت مش أنا! أنت متعرفش حاجة والله يا عمي، أنت عارف أن قدرة تحملي عالية جدا وبستحمل لوقت طويل زي ما أنت عارف أن طلبي أني أقابلك النهاردة معناه أني ضايع ومش عارف أعمل ايه ومحدش غيرك هينقذني صح؟
أومأ العجوز وابتسامة حانية ارتسمت على وجهه وهو ينظر إلى آدم إبن أعز صديق إمتلكه في حياته على الإطلاق..

ـ عارف يا آدم عارف بس أنا جاي اديك نصيحة مش نلعب سؤال وجواب؟، قال متهربا من الإجابة التي لا يعرف سؤالها بعد..
تنهد آدم بتعب حقيقي ثم سأله بإرهاق: أمي الحقيقة مين يا عمي مين؟

غصّ اللُقمة داخل حلقةُ عِندما سمِع هذا السؤال وأخذ يسُعل بقوة، فكان قاب قوسين أو أدنى من الاختناق، ربت آدم على ظهره بقلق ثم هرول إلى مطبخ المطعم بقلق عِندما وجد زجاجة المياه البلاستيكية فارغة هي والكوب، عاد بعد ثوانٍ مهرولًا وسط الطاولات ومن دون أن ينتبه اصطدم بفتاةٍ أوقع عليها نصف المياه..
شهقت لمار بتفاجئ وصدرها بدأ يعلو ويهبط من المياه الباردة التى سقطت فوقه مباشرةً مُبللا ملابسها..

حدق آدم بين كوب المياه وبين صدرها المُبلل ثم رفع رأسهُ لوجهها المشرق المذعور وأعتذر بلباقةٍ: أنا آسف بجد آسف، وتابع هرولة إلى الطاولة قبل أن يختنق..

مرَّ من أمامها بسرعة البرق لكنها كانت تراه متباطئ وشعره الناعم يتطاير ببطء كأن أحدهم أبطأ الشريط وكُل خصلة تنفصل عن شقيقتها بسلاسة وتسقط على وجهه، يا إلهي نقطة ضعفها الشعر الطويل، توقف علو صدرها وبدأ قلبها بالخفقان بقوة، راقبته بثقب وهي تضع يدها على قلبها وبدأت في السير ورقبتها تكاد تسقط من على جسدها بسبب التواءها وحملقتها به حتى وصلت إلى طاولة قريبة من طاولته، جلست عل


:. كاتب الموضوع dody ، المصدر: رواية حب خاطئ الفصل العاشر .:

v,hdm pf oh'z hgtwg hguhav




اضافة رد جديد اضافة موضوع جديد



المواضيع المتشابهه
عنوان الموضوع الكاتب الردود الزوار آخر رد
5 أفعال خاطئة من الأهل تتسبب في فشل أبنائهم 5 أفعال خاطئة من الأهل تتسبب في فشل أبنائهم لهلوبة
0 281 لهلوبة
4 مفاهيم خاطئة عن الإفطار الصحي.. اكتشفي الخدعة 4 مفاهيم خاطئة عن الإفطار الصحي.. اكتشفي الخدعة لهلوبة
0 257 لهلوبة
5 فوائد للوقوف على الرأس.. تخلصي من معتقداتك الخاطئة 5 فوائد للوقوف على الرأس.. تخلصي من معتقداتك الخاطئة لهلوبة
0 277 لهلوبة
5 عادات خاطئة توقفي عنها خلال ممارسة رياضة الجري 5 عادات خاطئة توقفي عنها خلال ممارسة رياضة الجري لهلوبة
0 331 لهلوبة
5 عادات خاطئة قبل النوم تزيد الوزن 5 عادات خاطئة قبل النوم تزيد الوزن لهلوبة
0 588 لهلوبة

الكلمات الدلالية
رواية ، خاطئ ، الفصل ، العاشر ،











الساعة الآن 11:39 PM